فصل: التفسير المأثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الشنقيطي:

{وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا (1)}
يقسم تعالى بهذه المسمّيات، واختلف في {والمرسلات}، {فالعاصفات}، {والناشرات}.
فقيل: هي الرِّياح، وقيل: الملائكة أو الرُّسل، وعرفاً أي متتالية كعرف الفرس، واختار كونها الرياح ابن مسعود وابن عباس ومجاهد وقتادة. واختار كونها الملائكة أبو صالح عن أبي هريرة والربيع بن أنس.
وعن أبي صالح: أنها الرسل قاله ابن كثير، واختار الأول وقال توقف ابن جرير، والواقع أن كلام ابن جرير يفيد أنه لا مانع عنده من إرادة الجميع، لأن المعنى محتمل ولا مانع عنده.
واستظهر ابن كثير أنها الرياح لقوله تعالى: {وَأَرْسَلْنَا الرياح لَوَاقِحَ} [الحجر: 22] وقوله: {وَهُوَ الذي يُرْسِلُ الرياح بُشْرىً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ} [الأعراف: 57].
وهذا هو الذي اختاره الشيه رحمة الله تعالى علينا وعليه في مذكرة الإملاء، أما الفارقات، فقيل الملائكة، وقيل: آيات القرآن، ورجح الشيخ الأول، وأما الملقيات ذكراً عذراً أو نذراً.
فقد تقم للشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه بيانها في سورة الصافات عند قوله تعالى: {فالتاليات ذِكْراً} [الصافات: 3].
وفي مذكرة الإملاء. قوله: {عُذْراً}: اسم مصدر بمعنى الإعذار، ومعناه قطع العذر.
ومنه المثل: من أعذر فقد أنذر، وهو مفعول لأجله والنذر اسم مصدر بمعنى الإنذار، وهو مفعول لأجله أيضاً، والإنذار الإعلام المقترن بتهديد، وأو في قوله: {أَوْ نُذْراً} بمعنى الواو أي لأجل الإعذار والإنذار: ومجيء أو بمعنى الواو، كمجيء ذلك في قول عمرو بن معد يكرب:
قوم إذا سمعوا الصريخ رأيتهم ** ما بين ملجم مهره أو سافع

أي وسافع.
{إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ (7)}
هو المقسم عليه، والوقع أن نبين كل قسم ومقسم عليه مناسبة ارتباط في الجملة غالباً، والله تعالى يقسم بما شاء على ما شاء، لأن المقسم به من مخلوقاته فاختيار ما يقسم به هنا أو هناك غالباً يكون لنوع مناسبة، ولو تأملناه هنا، لوجدنا المقسم عليه هو يوم القيامة، وهم مكذبون به فأقسم لهم بما فيه إثبات القدرة عليه، فالرياح عرفاً تأتي بالسحاب تنشره ثم يأتي المطر، ويحيي الله الأرض بعد موتها.
وهذا من أدلة القدرة على البعث، والعاصفات منها بشدة، وقد تقتلع الأشجار وتهدم البيوت مما لا طاقة لهم بها ولا قدرة لهم عليها، وما فيها من الدلالة على الإهلاك والتدمير، وكلاهما دال على القدرة على البعث.
ثم تأتي الملائكة بالبيان والتوجيه والإعذار والإنذار، {إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ}. والله تعالى أعلم.
{فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ (8) وَإِذَا السَّمَاءُ فُرِجَتْ (9) وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ (10)}
كلها تغييرات كونية من آثار ذلك اليوم الموعود. وطمس النجوم ذهاب نورها، كقوله: {وَإِذَا النجوم انكدرت} [التكوير: 2] أي تشققت وتفطرت كما ي قوله تعالى: {إِذَا السماء انشقت} [الانشقاق: 1]، {إِذَا السماء انفطرت} [الإنفطار: 1]، ونسف الجبال تقدم بيانه في عدة محال. وما يكون لها من عدة أطوار من دك وتفتيت وبث وتسيير كالسحاب ثم كالسراب، وتقدم في سورة ق عند قوله تعالى: {أَفَلَمْ ينظروا إِلَى السماء فَوْقَهُمْ} [ق: 6].
{وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ (11)}
تقدم للشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه بيانه في سورة الواقعة عند قوله تعالى: {قُلْ إِنَّ الأولين والآخرين لَمَجْمُوعُونَ إلى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ} [الواقعة: 49- 50].
{لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ (12) لِيَوْمِ الْفَصْلِ (13)}
يوم الفصل هو يوم القيامة، يفصل فيه بين الخلائق، بين الظالم والمظلوم، والمحق والمبطل والدائن والمدين، كما بينه تعالى بقوله: {هذا يَوْمُ الفصل جَمَعْنَاكُمْ والأولين} [المرسلات: 38]، وكقوله: {ذلك يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ الناس وَذَلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ} [هود: 103].
{وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (15)}
وعيد شديد من الله تعالى للمكذبين. وقد تقدم معنى ذلك للشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه عند آخر سورة الذاريات، عند قوله تعالى: {فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن يَوْمِهِمُ الذي يُوعَدُونَ} [الذاريات: 60].
{أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ (20) فَجَعَلْنَاهُ فِي قرار مَكِينٍ (21) إِلَى قَدَرٍ مَعْلُومٍ (22)}
الماء المهين: هو النطفة الأمشاج، والقرار المكين: هو الرحم، وقد مكنه الله وصانه حتّى من نسمة الهواء.
والآيات الباهرات في هذا القرار فوق أن توصف، وقد بين تعالى أنه الرحم بقوله تعالى: {وَنُقِرُّ فِي الأرحام مَا نَشَاءُ إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى} [الحج: 5] والقدر المعلوم هو مدة الحمل إلى السقط أو الولادة.
وتقدم للشيخ التنويه عن ذلك في أول سورة الحج، وأنها أقدار مختلفة وآجال مسماة.
{فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقادرون (23)}
فيه التمدح بالقدرة على ذلك وهو حق، ولا يقدر عليه إلا الله كما جاء في قوله: {أَفَرَأَيْتُمْ مَّا تُمْنُونَ أَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَم نَحْنُ الخالقون} [الواقعة: 58- 59].
وقد بينه تعالى في أول سورة الحج: ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة إلى آخر السياق.
{أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا (25) أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا (26)}
تقدم للشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه في سورة طه عند قوله تعالى: {الذي جَعَلَ لَكُمُ الأرض مَهْداً} [طه: 53]، والكفات: الموضع الذي يكفتون فيه، والكفت الضم أحياء على ظهرها، وأمواتاً في بطونها، كما في قوله: {وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ} [طه: 55]، وقد جمع المعنيين في قوله تعالى: {والله أَنبَتَكُمْ مِّنَ الأرض نَبَاتاً ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكْمْ إِخْرَاجاً} [نوح: 17- 18].
{انْطَلِقُوا إِلَى مَا كُنْتُمْ به تُكَذِّبُونَ (29)}
بينه بعد بقوله تعالى: {انطلقوا إلى ظِلٍّ ذِي ثَلاَثِ شُعَبٍ لاَّ ظَلِيلٍ وَلاَ يُغْنِي مِنَ اللهب إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كالقصر كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ} [المرسلات: 30- 33]، أي وهي جهنم.
وقد بين تعالى في موضع آخر أنهم يدفعون إليها دفعاً في قوله تعالى: {يَوْمَ يُدَعُّونَ إلى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا} [الطور: 13].
{هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ (35)}
نص على أنهم لا ينطقون في ذلك اليوم مع أنهم ينطقون ويجيبون على ما يسألون، كما في قوله تعالى: {فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ يَتَلاَوَمُونَ} [القلم: 30].
وتقدم للشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه الكلام على هذه المسألة في سورة النمل عند قوله تعالى: {وَوَقَعَ القول بِمَا ظَلَمُواْ فَهُمْ لاَ يَنطِقُونَ} [النمل: 85].
وبين وجه الجمع بالإحالة على دفع إيهام الاضطراب عند سورة المرسلات هذه، وأن ذلك في منازل وحالات.
{كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (43)}
فيه النص على أن عملهم في الدنيا سبب في تمتعهم بنعيم الجنة في الآخرة، ومثله قوله تعالى: {ونودوا أَن تِلْكُمُ الجنة أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [الأعراف: 43].
وجاء في الحديث: «لن يدخل أحدكم الجنة بعمله»، ولا معارضة بين النصين، إذ الدخول بفضل من الله ويعد الدخول يكون التوارث وتكون الدرجات ويكون التمتع بسبب الأعمال. فكلهم يشتركون في التفضل من الله عليهم بدخول الجنة، ولكنهم بعد الدخول يتفاوتون في الدرجات بسبب الأعمال.
{إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (44)}
في الآية التي قبلها قال تعالى: {بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [المرسلات: 43].
وهنا قال: {نَجْزِي المحسنين}، ولم يقل نجزي العاملين، مما يشعر بأن الجزاء إنما هو على الإحسان في العمل لا مجرد العمل فقط، وتقدم أن الغاية من التكليف، إنما هي الإحسان في العمل {تَبَارَكَ الذي بِيَدِهِ الملك وَهُوَ على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ الذي خَلَقَ الموت والحياة لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} [الملك: 1- 2].
وتقدم للشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه بيان ذلك في سورة الكهف عند قوله تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأرض زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُم أَحْسَنُ عَمَلاً} [الكهف: 7].
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ (48)}
هذه الآية الكريمة من آيات الاستدلال على أن الكفار مؤاخذون بترك الفروع، وتقدم التنبيه على ذلك مراراً، والمهم هنا أن أكثر ما يأتي ذكره من الفروع هي الصلاة مما يؤكد أ، ها هي بحق عماد الدين.
{فَبِأَيِّ حديث بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (50)} أي بعد هذا القرآن الكريم لما فيه من آيات ودلائل ومواعظ كقوله تعالى: {فَبِأَيِّ حديث بَعْدَ الله وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ} [الجاثية: 6].
وقد بين تعالى أنه نزله أحسن الحديث هدى في قوله تعالى: {الله نَزَّلَ أَحْسَنَ الحديث كِتَاباً مُّتَشَابهاً مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الذين يَخْشَوْنَ رَبهمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبهمْ إلى ذِكْرِ الله ذَلِكَ هُدَى الله يَهْدِي به مَن يَشَاءُ} [الزمر: 23].
وذكر ابن كثير في تفسيره عن ابن أبي حاتم إلى أبي هريرة يرويه: إذا قرأ {والمرسلات عُرْفاً} [المرسلات: 1] فقرأ {فَبِأَيِّ حديث بَعْدَ الله وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ} فليقل: آمنت بالله وبما أنزل.
وذكر في سورة القيامة عن أبي داود وأحمد عدة أحاديث بعدة طرق أنه صلى الله عليه وسلم قال: «من قرأ في سورة الإنسان {أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ على أَن يُحْيِيَ الموتى} [القيامة: 40] قال: سبحانك اللهم فبلى، وإذا قرأ سورة {والتين} فانتهى إلى قوله: {أَلَيْسَ الله بِأَحْكَمِ الحاكمين} [التين: 8] فليقل: بلى، وأما على ذلك من الشاهدين. ومن قرأ {والمرسلات}، فبلغ {فَبِأَيِّ حديث بَعْدَ الله وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُون} فليقل: آمنا بالله».اهـ.
وإنا نقول: آمنا بالله كما أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا (1)}
أخرج ابن الضريس والنحاس وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: نزلت سورة المرسلات بمكة.
وأخرج البخاري ومسلم والنسائي وابن مردويه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: «بينما نحن مع النبي صلى الله عليه وسلم في غار بمنى إذ نزلت عليه سورة والمرسلات عرفاً، فإنه يتلوها وإني لألقاها من فيه، وإن فاه لرطب بها إذا وثبت عليه حية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اقتلوها فابتدرناها فذهبت. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: وقيت شركم كما وقيتم شرها».
وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: «نزلت {والمرسلات عرفاً} نحو ليلة الحية. قالوا وما ليلة الحية؟ قال: خرجت حية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اقتلوها، فتغيبت في حجر. فقال: دعوها فإن الله وقاها شركم كما وقاكم شرها».
وأخرج الحاكم وصححه وابن مردويه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غار فنزلت عليه {والمرسلات} فأخذتها من فيه وإن فاه لرطب بها فلا أدري بأيها ختم {فبأي حديث بعده يؤمنون} أو {وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون}.
وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم وابن ماجة عن ابن عباس رضي الله عنهما أن أم الفضل سمعته وهو يقرأ {والمرسلات عرفاً} فقالت: يا بني لقد ذكرتني بقراءتك هذه السورة إنها لآخر ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بها في المغرب.
وأخرج الطبراني في الأوسط عن عبد العزيز أبي سكين قال: أتيت أنس بن مالك فقلت: أخبرني عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بنا الظهر وقرأ قراءة همساً بالمرسلات والنازعات وعم يتساءلون ونحوها من السور.
أخرج ابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن أبي هريرة رضي الله عنه {والمرسلات عرفاً} قال: هي الملائكة، أرسلت بالمعروف.
وخرج ابن جرير من طريق مسروق عن ابن مسعود رضي الله عنه {والمرسلات عرفاً} قال: الملائكة.
وأخرج ابن مردويه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الرياح ثمان: أربع منها عذاب، وأربع منها رحمة، فالعذاب منها العاصف والصرصر والعقيم والقاصف، والرحمة منها الناشرات والمبشرات والمرسلات والذاريات. فيرسل الله المرسلات فتثير السحاب، ثم يرسل المبشرات فتلقح السحاب، ثم يرسل الذاريات فتحمل السحاب، فتدر كما تدر اللقحة، ثم تمطر، وهي اللواقح، ثم يرسل الناشرات فتنشر ما أراد».
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق أبيّ العبيدين أنه سأل ابن مسعود {والمرسلات عرفاً} قال: الريح {فالعاصفات عصفاً} قال: الريح {والناشرات نشراً} قال: الريح {فالفارقات فرقاً} قال: حسبك.
وأخرج ابن راهويه وابن المنذر وعبد بن حميد والبيهقي في الشعب والحاكم وصححه عن خالد بن عرعرة رضي الله عنه قال: قام رجل إلى عليّ فقال: ما العاصفات عصفاً. قال: الرياح.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما {والمرسلات عرفاً} قال: الريح {فالعاصفات عصفاً} قال: الريح {فالفارقات فرقاً} قال: الملائكة {فالملقيات ذكراً} قال: الملائكة.
وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس رضي الله عنهما {والمرسلات عرفاً} قال: الملائكة {فالفارقات فرقاً} قال: الملائكة، فرقت بين الحق والباطل {فالملقيات ذكراً} قال: الملائكة بالتنزيل.
وأخرج ابن جرير عن مجاهد رضي الله عنه {والمرسلات عرفاً} قال: الريح {فالعاصفات عصفاً} قال: الريح {والناشرات نشراً} قال: الريح.
وأخرج عبد الرزاق وعبد حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة {والمرسلات عرفاً} قال: هي الريح {فالعاصفات عصفاً} قال: هي الريح {فالفارقات فرقاً} يعني القرآن ما فرق الله به بين الحق والباطل {فالملقيات ذكراً} هي الملائكة تلقي الذكر على الرسل، وتلقيه الرسل على بني آدم عذراً أو نذراً. قال: عذراً من الله ونذراً منه إلى خلقه.
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد {والمرسلات عرفاً فالعاصفات عصفاً والناشرات نشراً فالفارقات فرقاً فالملقيات ذكراً} قال: الملائكة.
وأخرج ابن جرير عن مسروق {والمرسلات عرفاً} قال: الملائكة.
وأخرج عبد بن حميد وابن الشيخ في العظمة وابن المنذر عن أبي صالح رضي الله عنه {والمرسلات عرفاً} قال: هي الرسل ترسل بالمعروف {فالعاصفات عصفاً} قال: الريح {والناشرات نشراً} قال: المطر {فالفارقات فرقاً} قال: الرسل.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر من وجه آخر عن أبي صالح {والمرسلات عرفاً} قال: الملائكة يجيئون بالأعارف {فالعاصفات عصفاً} قال: الريح العواصف {والناشرات نشراً} قال: الملائكة ينشرون الكتب {فالفارقات فرقاً} قال: الملائكة يفرقون بين الحق والباطل {فالملقيات ذكراً} قال: الملائكة يجيئون بالقرآن والكتاب عذراً من الله أو نذراً منه إلى الناس وهم الرسل يعذرون وينذرون.
وأخرج ابن الأنباري في الوقف والابتداء والحاكم وصححه وضعفه الذهبي عن زيد بن ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أنزل القرآن بالتفخيم. قال عمار بن عبد الملك: كهيئته عذراً ونذراً والصدفين وألا له الخلق والأمر وأشباه هذا في القرآن».
وأخرج ابن المنذر عن الضحاك {فإذا النجوم طمست} قال: تطمس فيذهب نورها.
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر عن إبراهيم النخعي في قوله: {وإذا الرسل أقتت} قال: وعدت.
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد {أقتت} قال: أجلت.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس {أقتت} قال: جمعت.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة {ليوم الفصل} قال: يوم يفصل الله فيه بين الناس بأعمالهم إلى الجنة وإلى النار {وما أدراك ما يوم الفصل} قال: يعظهم بذلك {ويل يومئذ للمكذبين} قال: ويل لهم والله ويلاً طويلاً.
وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن ابن مسعود قال: ويل واد في جهنم يسيل فيه صديد أهل النار فجعل للمكذبين والله أعلم.
{أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ (20)}
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله: {ألم نخلقكم من ماء مهين} يعني بالمهين الضعيف.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله: {من ماء مهين} قال: ضعيف في قرار مكين.
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج {فقدرنا فنعم القادرون} قال: فملكنا فنعم المالكون.
وأخرج ابن جرير عن الضحاك {فقدرنا فنعم القادرون} قال: فخلقنا فنعم المالكون.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق عليّ عن ابن عباس {كفاتاً} قال: كنا.
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد {ألم نجعل الأرض كفاتاً} قال: تكفتهم أمواتاً وتكف إذا هم أحياء.
وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة في المصنف وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والبيهقي في سننه عن ابن مسعود أنه أخذ قملة فدفنها في المسجد، ثم قرأ {ألم نجعل الأرض كفاتاً أحياء وأمواتاً}.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن مجاهد {كفاتاً} قال: تكفت الميت ولا يرى منه شيء، وقوله: {أحياء} الرجل في بيته لا يرى من عمله شيء.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق علي عن ابن عباس {رواسي} جبالاً شامخات مشرفات {فراتاً} عذباً {بشرر كالقصر} قال: كالقصر العظيم {جمالات صفر} قال: قطع النحاس.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد {ظل ذي ثلاث شعب} دخان جهنم.
وأخرج عبد الرزاق عن الكلبي في قوله: {ظل ذي ثلاث شعب} قال: هو كقوله: {ناراً أحاط بهم سرادقها} [الكهف: 29] والسرادق الدخان، دخان النار، فأحاط بهم سرادقها، ثم تفرق فكان ثلاث شعب، شعبة ههنا، وشعبة ههنا، وشعبة ههنا.
وأخرج ابن جرير عن قتادة مثله.
وأخرج عبد الرزاق والفريابي والبخاري وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه والحاكم من طريق عبد الرحمن بن عابس قال: سمعت ابن عباس يسأل عن قوله: {إنها ترمي بشرر كالقصر} قال: كنا نرفع الخشب بقصر ثلاثة أذرع أو أقل، فنرفعه للشتاء فنسميه القصر. قال: وسمعته يسأل عن قوله تعالى: {جمالات صفر} قال: حبال السفن يجمع بعضها إلى بعض حتى تكون كأوساط الرجال.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قرأها {كالقصر} بفتح القاف والصاد. قال: قصر النخل يعني الأعناق، وكان يقرأ {جمالات} بضم الجيم.
وأخرج سعيد بن منصور عن ابن عباس {كالقصر} قال: كجذور الشجر.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: كانت العرب تقول في الجاهلية: اقصروا لنا الحطب، فيقطع على قدر الذراع والذراعين.
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني في الأوسط عن ابن مسعود في قوله: {ترمي بشرر كالقصر} قال: إنها ليست كالشجر والجبال، ولكنها مثل المدائن والحصون.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن ابن عباس في قوله: {كالقصر} قال: هو القصر {كأنه جملات صفر} قال: الإِبل.
وأخرج ابن الأنباري في كتاب الأضداد عن الحسن في قوله: {كأنه جمالات صفر} قال: الصفر السود، وفي قوله: {جمالات صفر} قال: هو الجسر، وفي لفظ قال: الجبال.
وأخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير في قوله: {كالقصر} قال: مثل قصر النخلة.
وأخرج ابن جرير عن الضحاك في الآية، قال: القصر أصول الشجر العظام كأنها أجواز الإِبل الصفر. قال ابن جرير: وسط كل شيء جوزة.
وأخرج ابن جرير عن هارون قال: قرأها الحسن {القصر} بجزم الصاد، وقال: هو الجزل من الخشب.
وأخرج ابن جرير عن الحسن {كأنه جمالات صفر} قال: كالنوق السود.
وأخرج ابن جرير من طريق علي عن ابن عباس {كأنه جمالات صفر} يقول: قطع النحاس.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله: {كالقصر} قال: حزم الشجر وقطع النخل {كأنه جمالات صفر} قال: جبال الجسور.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة {كالقصر} قال: أصول الشجر وأصول النخل {كأنه جمالات صفر} قال: كأنه نوق سود.
وأخرج عبد حميد عن عكرمة أنه كان يقرأ {كالقصر} قال: كقطعة النخلة الجادرة {كأنه جمالات صفر} قال: القلوص.
وأخرج ابن مردويه عن عبد الله بن الصامت قال: قلت لعبد الله بن عمرو بن العاص أرأيت قول الله: {هذا يوم لا ينطقون ولا يؤذن لهم فيعتذرون} قال: إن يوم القيامة يوم له حالات وتارات في حال لا ينطقون، وفي حال ينطقون، وفي حال يعتذرون، لا أحدثكم إلا ما حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا كان يوم القيامة ينزل الجبار في ظلل من الغمام، وكل أمة جاثية في ثلاث حجب مسيرة كل حجاب خمسون ألف سنة، حجاب من نور، وحجاب بن ظلمة، وحجاب من ماء، لا يرى لذلك فيأمر بذلك الماء فيعود في تلك الظلمة، ولا تسمع نفس ذلك القول إلا ذهبت فعند ذلك لا ينطقون».
وأخرج الحاكم وصححه من طريق عكرمة قال: سأل نافع بن الأزرق ابن عباس عن قوله تعالى: {هذا يوم لا ينطقون} و{فلا تسمع إلا همساً} [طه: 108] و{وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون} [الصافات: 27] و{هاؤم اقرءوا كتابيه} [الحاقة: 19] فما هذا؟ قال: ويحك هل سألت عن هذا أحداً قبلي؟ قال: لا. قال: إنك لو كنت سألت هلكت، أليس قال الله تعالى: {وإن يوماً عند ربك كألف سنة مما تعدون} [الحج: 47] قال: بلى. قال: وإن لكل مقدار يوم من الأيام لوناً من الألوان.
وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة أنه سئل عن قوله: {يوم كان مقداره خمسين ألف سنة} قال: ألا أخبركم بأشد مما تسألون عنه؟ قال ابن عباس، وذكر {لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان} [الرحمن: 39] {فوربك لنسألنهم أجمعين} [الحجر: 92] و{هذا يوم لا ينطقون} قال ابن عباس: إنها أيام كثيرة في يوم واحد فيصنع الله فيها ما يشاء، فمنها يوم لا ينطقون، ومنها يوم عبوساً قمطريراً.
وأخرج عبد بن حميد عن أبي الضحى أن نافع بن الأزرق وعطية أتيا ابن عباس فقالا: يا ابن عباس أخبرنا عن قول الله: {هذا يوم لا ينطقون} وقوله: {ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون} [الزمر: 31] وقوله: {والله ربنا ما كنا مشركين} [الأنعام: 6] وقوله: {ولا يكتمون الله حديثاً} [النساء: 42] قال: ويحك يا ابن الأزرق إنه يوم طويل وفيه مواقف تأتي عليهم: ساعة لا ينطقون، ثم يؤذن لهم فيختصمون، ثم يمكثون ما شاء الله يحلفون ويجهدون، فإذا فعلوا ذلك ختم الله على أفواههم ويأمر جوارحهم فتشهد على أعمالهم بما صنعوا، ثم تنطق ألسنتهم فيشهدون على أنفسهم بما صنعوا. قال: ذلك قوله: {ولا يكتمون حديثاً}.
وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن المنذر عن أبي عبد الله الجدلي قال: أتيت بيت المقدس فإذا عبادة بن الصامت، وعبد الله بن عمرو، وكعب الأحبار يتحدثون في بيت المقدس فقال عبادة: إذا كان يوم القيامة جمع الناس في صعيد واحد فينفذهم البصر ويسمعهم الداعي ويقول الله {هذا يوم لا ينطقون} {هذا يوم الفصل جمعناكم والأولين فإن كان لكم كيد فكيدون} اليوم لا ينجو مني جبار ولا شيطان مريد، فقال عبد الله بن عمرو: إنا نجد في الكتاب أنه يخرج يومئذ عنق من النار فينطلق معنقاً حتى إذا كان بين ظهراني الناس قال: يا أيها الناس إني بعثت إلى ثلاثة أنا أعرف بهم من الوالد بولده ومن الأخ بأخيه، لا يغنيهم مني وزر، ولا تخفيهم مني خافية: الذي يجعل مع الله إلهاً آخر، وكل جبار عنيد، وكل شيطان مريد. قال: فينطوي عليهم فيقذفهم في النار قبل الحساب بأربعين. إما قال يوماً وإما عاماً. قال: ويهرع قوم إلى الجنة فتقول لهم الملائكة: قفوا للحساب. فيقولون: والله ما كانت لنا أموال، وما كنا بعمال. فيقول الله: «صدق عبادي أنا أحق من أوفى بعهده ادخلوا الجنة. فيدخلون قبل الحساب بأربعين. إما قال يوماً وإما عاماً».
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن عكرمة في قوله: {كلوا واشربوا هنيئاً} أي: لا موت، وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في قوله: {كلوا وتمتعوا قليلاً} قال: عنى بذلك أهل الكفر.
وأخرج عبد حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون} قال: نزلت في ثقيف.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد {وإذا قيل لهم اركعوا} قال: صلوا.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة {وإذا قيل لهم اركعوا} قال: عليكم بإحسان الركوع فإن الصلاة من الله بمكان. قال: وذكر لنا أن حذيفة رأى رجلاً يصلي ولا يركع كأنه بعير نافر. قال: لو مات هذا ما مات على شيء من سنة الإِسلام. قال: وحدثنا أن ابن مسعود رأى رجلاً يصلي ولا يركع وآخر يجر إزاره، فضحك، قالوا: ما يضحكك يا ابن مسعود؟ قال: أضحكني رجلان أحدهما لا ينظر الله إليه، والآخر لا يقبل الله صلاته. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس {وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون} يقول: يدعون يوم القيامة إلى السجود فلا يستطيعون السجود من أجل أنهم لم يكونوا يسجدون لله في الدنيا. والله أعلم. اهـ.